قرأت إيفانجلين دعوة الإمبراطورة مرة أخرى بينما كانت عربة السماء تهبط على أراضي القصر النظيفة.
لقد أمضت اليوم الماضي تحاول تخيّل نوع الفرصة التي قد ترغب الإمبراطورة في مناقشتها، لكنها ما زالت تجهل ما هي.
ولم تكن ماريسول تعرف أيضًا. فعندما عادت إيفانجلين إلى المنزل وأخبرت ماريسول بما تحويه الورقة الحمراء،
كررت أختها غير الشقيقة أنها سعيدة من أجلها، لكنها بدت متوترة كذلك.
وإن كانت دعوة إيفانجلين غامضة، فالإمبراطورة الجديدة كانت أكثر غموضًا.
قبل أن تتحول إيفانجلين إلى حجر، كان وريث العرش شخصًا آخر شاب يُلقّب بـ “وسيم الزمان”. ولسوء الحظ، عرفت أن خلال أسبوع الرعب، عرّفت الأقدار الخالدة عن نفسها علنًا بقتلها لهذا الأمير التعيس. أما الإمبراطورة الجديدة، وشقيقتها الصغرى — التي يُطلق عليها الناس لقب قاتلة الأقدار —فقد حاربتا الأقدار لاستعادة الإمبراطورية، وقتلتا أحدهم، وأثبتتا بذلك أن نظرية إيفانجلين كانت صحيحة: الأقدار ليسوا خالدين بحق. إنهم لا يشيخون، لكن يمكن قتلهم.
معظم المدينة أحبّت الشقيقتين لانتصارهما على الأقدار، لكن البعض كان يعتقد أن الإمبراطورة الجديدة نفسها قد تكون إحدى الأقدار. وذكرت صحف الفضائح أنها تستطيع قراءة العقول، وأن خطيبها قرصان مغطّى بندوب تشبه شبكة عنكبوت.
كانت إيفانجلين أذكى من أن تصدق كل الشائعات. لكنها مع ذلك، كانت قلقة من موضوع قراءة العقول. لم تكن تريد أن ترى الإمبراطورة أفكارها وتكتشف أنها ليست المنقذة التي يظنها الجميع.
لعبت بأزرار كابليتها ذات اللون الكريمي، وقد شعرت بالحرّ فجأة وهي تترجل من عربة السماء وتتبع خادم القصر في ممر مغطّى بالزهور، يؤدي إلى باب بمقبض ذهبي على شكل طائر طنان.
وعندما فتح الخادم الباب، انحنى قائلًا “جلالتك، الآنسة إيفانجلين فوكس وصلت.” ثم تنحّى جانبًا، مرحّبًا بها في حديقة مليئة بأشجار خضراء حالمة، تتدلى منها زهور مرجانية وزهرية ومشمشية اللون، جعلت إيفانجلين تفكر في قبلات ناعمة على الخدود.
“مرحبًا بكِ!”
“من الرائع أن نلتقي بكِ أخيرًا، إيفانجلين!”
“شعركِ حقًا مذهل!”
تحدثت الإمبراطورة وشقيقتها، الأميرة دوناتيلا، في آنٍ واحد، بينما كانت طيور الطنان تحلق فوق رؤوسهن.
“لم نكن نعرف ما تحبين، لذا طلبنا القليل من كل شيء”، أعلنت الأميرة. كانت تربط شَعرها الأشقر بأشرطة زرقاء كلون انفجار الغيوم، ووجهها يعكس مرحًا جميلًا، ما لم يكن يتطابق أبدًا مع صورة المشاغبة الجريئة قاتلة الأقدار التي قرأت عنها إيفانجلين في صحف الفضائح.
“لدينا كريمات توت العلّيق، وأطباق الحصاد، وبودينغ اليقطين، وفطائر الجوز، وكل أنواع الشاي.” وأشارت بيدها نحو برج متعدد الطبقات من أباريق الشاي الملونة التي يتصاعد منها بخار وردي جميل. وإن كانت الشقيقتان الملكيتان تحاولان إبهارها، فقد نجحن بالفعل.
شعرت إيفانجلين وكأنها أميرة بنفسها حين نزعت أخيرًا وشاحها وجلست إلى الطاولة الكريمة.”هذا رائع. شكرًا لدعوتي.”
“سعدنا جدًا بانضمامك إلينا،” قالت الإمبراطورة. كانت شابة – ربما في عمر إيفانجلين تقريبًا – رغم أن من الصعب التأكد، إذ كان هناك خصلة رمادية كثيفة تقطع شَعرها الداكن. كانت ترتدي فستانًا قرمزيًا مكشوف الأكتاف، وقفازات دانتيل جميلة، وابتسامة حلوة جعلت من الصعب على إيفانجلين تصديق أنها كانت قلقة من لقائها. “لطالما تمنينا لقاؤك منذ سمعنا عن بطولتك خلال أسبوع الرعب.”
“لكننا نرغب أيضًا في طلب خدمة،” تدخلت الأميرة.
حدقت الإمبراطورة في شقيقتها، التي خرجت على ما يبدو عن النص المخطط.
“ماذا؟ أنا واثقة أنها تموت فضولًا. أنا فقط أحاول إنقاذ حياتها.” مدت الأميرة يدها عبر طبق شقيقتها والتقطت ورقة كريمية مغطاة بطبعة نحاسية.
________________________
تكريمًا لسمو الأمير ولي العهد أبولو تايتس أكاديان
لقد تم استدعاؤك إلى الشمال البهي
لحضور مهرجان “الليلة التي لا تنتهي”
يبدأ في أول يوم من الشتاء
ولن ينتهي حتى يجد الأمير أبولو عروسه
_____________________
كانت الحبر المعدني يلمع وكأنه لا يزال رطبًا — أو ملامَس بسحر شمالي. حاولت إيفانجلين ألا تقفز إلى استنتاجات، لكنها فشلت على الفور تقريبًا. كانت تأمل بوجود نهاية سعيدة أخرى تنتظرها، وبينما كانت تنظر إلى هذه الدعوة، كان من المستحيل تقريبًا ألا تتخيل أن هذه قد تكون فرصتها للعثور على تلك النهاية.
قالت الإمبراطورة بنعومة “لدى الشمال تقاليد مختلفة عنّا. لا يمكن لولي العهد أن يتوّج رسميًا إلا بعد زواجه، وإقامة حفل لاختيار العروس هو أحد أقدم تقاليدهم.”
وكانت تقليدًا تعرفه إيفانجلين جيدًا، مما بدا وكأنه إشارة أخرى. فقد كانت والدتها قد أخبرتها عن مهرجان الليلة التي لا تنتهي. عندما كانت طفلة، اعتقدت أنه أكثر شيء رومانسي سمعته في حياتها. تُبنى قاعات رقص سرية من أجله في الغابات حيث سقطت النجوم، مما يترك كل شيء مشبعًا بالفتنة. وكانت ليانا فوكس تقول إن هناك أنواعًا خاصة من السحر لا توجد إلا في الشمال، وحتى ذكريات هذا السحر لا يمكن أن تُنقل إلى الجنوب. ثم كانت تحكي لإيفانجلين كيف أن كل ليلة خلال المهرجان، يراقب الأمير التاجي من موقع مخفي، حتى يختار خمس فتيات ليرقص معهن. ليلة بعد ليلة، يتبع نفس الروتين، يراقب، ثم يدعو فتيات للرقص، حتى يجد العروس المثالية.
“لطالما تمنيت أن يكون المهرجان حقيقيًا. لكنني لم أكن متأكدة أبدًا.”
“هو كذلك، ونريدك أن تذهبي.” ارتشفت الإمبراطورة من الشاي بينما كانت طيور الطنان تنثر بتلات الزهور المشمشية في كوبها. “كنا سنحضر، لكن لا أعتقد أنه من الحكمة مغادرة الإمبراطورية بعد تتويجي مباشرة و—”
“هناك شخص في الشمال أحاول تجنبه،” قاطعتها الأميرة.
“تيلا!” زجرتها الإمبراطورة.
“ماذا؟ إنها الحقيقة.” التفتت الأميرة نحو إيفانجلين. “أنا أعشق الحفلات التي تحتمل نهايات درامية. لكنني قد أتسبب بحادثة دولية – وربما حرب – إن حضرت هذا الاحتفال.”
امتلأ جبين الإمبراطورة بتجاعيد محرَجة.
“لا يمكننا تجاهل الدعوة،” تابعت الإمبراطورة بدبلوماسية أكبر. “وأفضل ألا أبدأ حكمي بإهمال أحد أكثر احتفالات الشمال قدسية. لذا، أنا ومستشاروني فكّرنا كثيرًا فيمن يجب أن يمثل إمبراطورية الميريديان.” التقت عيناها العسليتان بعيني إيفانجلين. “ما فعلتِه خلال أسبوع الرعب كان شجاعًا وغير أناني، وجعلنا نعتقد أنكِ بالضبط النوع الذي نريده كممثلة لنا.” واتسعت ابتسامتها الملكية بينما أومأت شقيقتها تأييدًا.
دفعت إيفانجلين بكريمة توت إلى فمها لإخفاء التوتر المفاجئ في ابتسامتها.
لقد أرادت أن تقول نعم. لطالما تمنت الذهاب إلى الشمال، لاكتشاف العالم الذي نشأت فيه والدتها ومعرفة أي من حكاياتها كان حقيقيًا. كانت تتوق لمعرفة إن كان هناك حقًا عفاريت معجنات تسقط الحلويات في الأعياد، وتنانين صغيرة الحجم تتحول إلى دخان إن حاولت الطيران جنوبًا. وأرادت أن تحضر هذا الحفل. أن تلتقي بالأمير، وترقص طوال الليل، وتنسى لوك أخيرًا.
إن وُجد شيء على الأرض قادر على أن يجعلها تنسى لوك، فهو مهرجان الليلة التي لا تنتهي.
لكن… هل يمكنها أن تقول نعم؟ الإمبراطورة وشقيقتها أرادتا بطلة لتمثيلهن، أردن تلك اليتيمة المنقذة من صحف الفضائح، وإيفانجلين ليست تلك الفتاة. هي نقيضها. فهاتان الأختان حاربتا الأقدار، أما إيفانجلين، فقد أبرمت صفقة مع أحدهم.
جفّ حلقها فجأة. مهما حاولت ألا تفكر في جاكس، كان دومًا في خلفية أفكارها، سر تخشى أن ينكشف يومًا.
ما زالت لا تعرف أين اختفى جاكس. قال لها بويسن إن معظم الأقدار اتجهوا إلى الشمال حيث مُنحوا اللجوء، وكل الشائعات منذ ذلك الحين أكدت ذلك. لم تذكر أي منها تحديدًا أمير القلوب. لكن ألم يحذرها بويسن من أنها ستنجذب إلى جاكس، سواء أرادت أم لا؟ ماذا لو كان هذا ما يدور حوله الأمر حقًا؟ ماذا لو لم تكن هذه فرصة لنهاية سعيدة، بل مجرد قدر يتلاعب بمسارها؟
بعد لقائها الأخير بجاكس – حين كان يحاول مساعدتها فعليًا – تحولت إلى حجر. لا تود أن تتخيل ما قد يحدث إن قابلته مجددًا وقرر تحصيل القبلات الثلاث التي تدين بها له.
أفضل طريقة لحماية نفسها من أمير القلوب هي رفض عرض الذهاب إلى الشمال.
لكن، ماذا بعد؟ في أحسن الأحوال، ستواصل إيفانجلين العمل في المكتبة، وتحبس أنفاسها كلما رنّ الجرس. وقد بدا هذا الآن أقرب إلى الشفقة منه إلى الأمل.
قالت الإمبراطورة “إن كنتِ قلقة من تلك الشائعة البشعة، فقد قمنا بتصحيحها بالفعل.”
“أوه، نعم! لقد كان ذلك ممتعًا جدًا!” مدت الأميرة دوناتيلا يدها، فجلبت طيور طنانة ورقة من صحيفة بالأبيض والأسود إلى إيفانجلين.
____________________
صحيفة الهمسات
إصدار خاص – إعلان
بقلم: كوتلاس نايتلينغر
خبر حصري من مصدر موثوق:
منقذة فاليندا المحبوبة قد شُفيت.
لم يعد لمسها يحوّل الرجال إلى حجر.
________________________
لم يخطر ببال إيفانجلين حتى أن تقلق بشأن هذه الشائعة، لكنها أُعجبت بكون الأختين قد اهتمّتا بها مسبقًا.
قالت الأميرة مؤكدة “لقد نُشرت للتو. وبحلول هذه الليلة، لن يظن أحد أنك ملعونة بعد الآن.”
ثم أضافت مبتسمة “مع أنني أظن أن على الناس أن يعرفوا الآن أنه لا يمكنهم تصديق كل ما يُكتب. يجب أن تري بعض ما كُتب عني بعد أسبوع الرعب.”
اعترفت إيفانجلين وهي تبتسم “ربما قرأتُ بعضها. متجر الكتب الذي أعمل فيه يحتفظ بكل الصحف القديمة.”
سألتها الأميرة بحماس، وقد بدا عليها الفرح أكثر من الخجل، بينما وضعت تارتًا صغيرًا في فمها الذي يشبه شكل القلب
“وماذا ظننتِ بما قرأتِ؟”
ضحكت إيفانجلين دون أن تتمالك نفسها. كانت تحب هاتين الأختين.
“أظن أن السيد نايتلينغر كان مخطئًا تمامًا. أنتِ أكثر شراسة بكثير مما صوّركِ كُتاب الفضائح.”
صفّقت الأميرة بحماس “كنت أعلم أنكِ ستكونين مثالية! قولي لنا إنكِ ستوافقين! لا يجب عليكِ فعل شيء سوى الذهاب فقط.”
أهدتها الأختان ابتسامتين متطابقتين بينما كانت بتلات الزهور تتساقط من الأعلى، وتدور حولها طيور الطنان.
لو كانتا تعرفان الحقيقة عن اليوم الذي تحوّلت فيه إيفانجلين إلى حجر، لما طلبتا منها أبدًا أن تفعل هذا.
لكن ربما يمكن لإيفانجلين أن تستغل هذه المناسبة لتُصبح أقرب إلى الصورة التي تظنّانها عنها.
قد تكون الدعوة من تدخّل القدر وتلاعبه بمسارها لإعادتها إلى جاكس،
لكن ذلك لا يعني أنها ليست أيضًا فرصتها للعثور على نهاية أكثر سعادة لحكايتها.
كانت تعلم أن الأمر أشبه بأمنية حالمة أن تتخيل أنها إن ذهبت إلى الشمال فستقابل الأمير أبولو وسيقع في حبها ويختارها.
لكنها تربّت على الإيمان بالأماني والقصص الخيالية والأشياء التي تبدو مستحيلة.
وماذا لو لم تكن هذه فرصتها وحدها، بل فرصة لماريسول أيضًا؟
لطالما رغبت إيفانجلين في إيجاد وسيلة لتحسين الأمور لأختها غير الشقيقة،
وربما كانت هذه هي الوسيلة.
لو ذهبت ماريسول معها إلى الشمال، فلن يعرفها أحد هناك بلقب العروس الملعونة.
ستكون مجرد فتاة في حفلة راقصة، وستحرص إيفانجلين على أن تكون أفضل حفلة في حياتها.
وبحلول الوقت الذي تعودان فيه إلى فاليندا، سيكون لوك ذكرى منسية لكلتيهما.
أعادت إيفانجلين الابتسامة للأختين الملكيتين وسألت:
“إذا وافقتُ، هل سيكون من الممكن أن آخذ أختي غير الشقيقة معي؟”
قالت الإمبراطورة بلطف “إنها فكرة جميلة.”
تمتمت الأميرة “كان يجب أن أفكر في ذلك،” ثم تابعت، “لكن لا تقلقي، لقد فكّرنا في كل شيء آخر. ربما لاحظتِ أن فصول الشمال تختلف عن فصولنا. أول يوم من الشتاء عندهم بعد ثلاثة أسابيع فقط، لذا قد نكون بدأنا التجهيزات بالفعل.”
ثم تبادلوا الكثير من الحديث عن الإقامة والفساتين، فقد كان أسلوب الموضة مختلفًا تمامًا في الشمال
الرجال يرتدون سترات مزدوجة وجلودًا كثيرة،
أما النساء فيرتدين أثوابًا ذات تنورات مزدوجة وأحزمة زخرفية.
ثم بدأت الأميرة تتغزّل في الجواهر واللآلئ،
وإيفانجلين من الداخل كانت كأشرطة الهدايا تلتف من شدة الحماس والسعادة.
وفي النهاية، سألت إيفانجلين السؤال الأخير الذي كانت تفكر فيه
“هل تعرفان أي شيء عن الأمير؟”
“نعم!” أجابت الأختان بحماسة.
قالت الأميرة دوناتيلا “إنه—”
لكن عينيها غيمتا فجأة. “في الواقع، لا أذكر ما سمعته.”
قالت الإمبراطورة “أنا—” لكنها توقفت هي الأخرى بنفس الطريقة، وكأن الذكريات تتبخر من عقلها.
تساءلت إيفانجلين ما إذا كانت المعلومات عن الأمير ملعونة، كما هي الحال مع العديد من القصص الشمالية.
لم تستطع أي من الأختين أن تتذكرا شيئًا عن الأمير أبولو أكاديان أو عائلته.
لو لم تكن إيفانجلين مألوفة تمامًا مع الشمال، لكان هذا أرعبها.
لكن ما أقلقها أكثر كان الندوب الثلاثة على معصمها على شكل قلوب مكسورة،
والتي بدأت تحترق فجأة…