الفصل الحادي عشر

 

على مدار أربعة عشر يومًا، لم يكن هناك سوى أمواج داكنة، وزَبَد رمادي، ورذاذ ملحي لاذع. ثم، وكأنها انتُزِعت من إحدى حكايات والدتها قبل النوم، رأت إيفانجلين المنحنيات المغطاة بالثلج لقوس البوابة العظيمة المؤدي إلى الشمال البديع.

صُنع القوس من الجرانيت المخطط بعروق زرقاء رخامية، وكان بارتفاع يعادل برج قلعة. أما أعمدته المتآكلة فكانت منقوشة لتبدو وكأنها حوريات بحر يحملن رماحًا تخترق منحوتات رجال، تمامًا كما يطعن البحّار سمكة برمحه. كانت ظهور الرجال منحنية، وأذرعهم ممدودة لحمل اللافتة التي تُشكّل قمة القوس الضخم:

مرحبًا بكم في الشمال البديع
هنا تبدأ القصص

قالت ماريسول “إنه أكبر مما تخيلت.”
كان شعرها البني الفاتح يلمع، ووجهها الرقيق يفيض بلون صحي. لقد كانت الأسابيع في البحر مفيدة لها. في الأيام الأولى من الرحلة، كانت خائفة جدًا من مغادرة مقصورتها، لكن مع مرور كل يوم، بدأت تتجول أكثر، واليوم كانت تقف بجانب إيفانجلين عند الدرابزين.

همست “هل هذا هو المكان الذي علينا أن نلتزم فيه الصمت؟”

أومأت إيفانجلين مبتسمة، سعيدة لأن أختها غير الشقيقة بدأت تصدق حكاياتها عن الشمال، تمامًا كما كانت تؤمن بها هي. وخلال الرحلة، لم تتفاجأ عندما اكتشفت أن أغنيس لم تكن تروي لماريسول أي قصص أثناء طفولتها، لذا، قررت إيفانجلين أن تشاركها بعضًا من حكايات والدتها، بما في ذلك تحذيراتها بشأن دخول الشمال:

“لا تنطقي بكلمة وأنت تعبرين من خلال قوس البوابة. فالسحر القديم للشمال لا يمكنه عبور الحدود، لكنه دائمًا يحاول. إنه يتجمع حول القوس، وإذا تكلمتِ أثناء العبور، فإنه يسرق صوتك ويستخدم كلماتك ليغوي بها مسافرين آخرين لمساعدته على الهرب إلى باقي أنحاء العالم.”

ربما كانت هذه الأسطورة معروفة على نطاق واسع، أو أن الجميع شعر بنفس الهيبة التي شعرت بها إيفانجلين، لأن السفينة بأكملها مرت تحت القوس في صمت مطبق.

وعلى الجانب الآخر، كان الهواء باردًا كالثلج، مملوءًا بغيوم منخفضة لدرجة أن إيفانجلين استطاعت تذوقها.

تمتم أحد البحارة وهو يتذمر “ليتنا نبحر بسرعة أكبر. هذا الجزء يُرعبني دائمًا.”

توقفت الأمواج عن التلاطم، وانسحبت الغيوم القريبة لتحجب الشمس، مغطية السفينة بظل ثقيل بينما شقّت طريقها بهدوء عبر ممر البحر المعروف باسم صفّ الشجاعة، مقبرة أول عائلة ملكية في الشمال.

كانت آثار عائلة فالور القديمة تمامًا كما وصفتها والدتها. تماثيل تقف حتى رُكبها في المياه الزرقاء الرمادية، بطول يكاد يضاهي القوس، منقوشة بعناية لتبدو مرتدية دروعًا أو ملابس فاخرة—عدا رؤوسها، التي كانت مفقودة جميعها. ومع ذلك، وبينما مرت السفينة، شعرت إيفانجلين بأنها تسمع أصواتهم، أو ربما كانت أصواتًا مسروقة من أولئك الذين مرّوا عبر القوس من قبل.

“حرّرونا،” همسوا بصوت أجش.
“أعيدونا.”
“ساعدونا.”
“نحن نستطيع…”

لكن إيفانجلين لم تسمع نهاية النداء، إذ وصلت السفينة إلى أرصفة فالورفِل، وبدأ الجميع بالاستعداد للنزول.

نادتها امرأة ذات شعر فضي، ترتدي قميص بلون أزرق وتنورة فضية،
 وحزامًا يحمل لفائف مربوطة
“الآنسة فوكس؟ الآنسة تورمالين؟ أنا فرانجيليكا. سأرافقكما إلى مكان الإقامة،
وسأتأكد من وصول الآنسة فوكس إلى عشاء هذا المساء.”

كان ابتسامة فرانجيليكا دافئًا، وإشارتها سريعة وهي تحث الفتاتين على مغادرة السفينة. لكن إيفانجلين لم تستطع أن تُسرع، بينما كانت تخطو على الرصيف المبتل المليء ببائعي السمك والأكشاك التجارية وبراميل المحار.

لطالما أحبت العيش في الجنوب. أحبت حرارة الشمس والألوان الزاهية التي يرتديها الناس. لكن الآن، بدت شوارع فاليندا اللامعة مفرطة البهرجة. هنا، كان كل شيء مغطى بطبقة ضبابية من الغموض. درجات رمادية ضبابية، زُرقة ممطرة، وأرجوان عميق بلون البرقوق الطازج.

كان الرجال الضخام في الأرصفة يبدون كأنهم قادرون على دخول الغابة وقطع شجرة بضربة فأس واحدة. يرتدون أحذية جلدية ثقيلة مزينة بأبازيم معدنية، بينما ترتدي النساء فساتين صوفية سميكة بأحزمة مشابهة لحزام فرانجيليكا، تحمل زجاجات علاج، وأقواسًا صغيرة بحجم راحة اليد.

مجرد استنشاق هذا الهواء البارد النقي جعل إيفانجلين تنتصب أكثر وتتنفس بعمق أكبر. ثم—

قالت بانبهار “ماريسول، انظري، تنانين صغيرة!”

شهقت ماريسول، واصفرّ وجهها، مع انبعاث فرقعة قوية، وظهر تنين صغير أسود كالفلفل، بحجم سنجاب، أطلق تيارًا من اللهب الأحمر لشواء قطعة سمك في كشك قريب.

في الأرصفة، بدت هذه المخلوقات الصغيرة الساحرة شائعة تمامًا مثل السناجب. كل بائع تقريبًا كان يملك واحدًا. ماريسول بوضوح لم تكن معجبة بهذه الكائنات المجنحة الصغيرة، لكن إيفانجلين كانت مبتهجة لرؤية تنانين زرقاء صغيرة تجلس على الأكتاف، وأخرى جلدية بنية اللون تتخذ العربات مكانًا لها. كانت هذه المخلوقات المصغّرة تُحمّص التفاح واللحوم، تنفخ كرات زجاجية، وتُسخن أكواب الشوكولاتة الساخنة.

كان كل شيء ساحرًا تمامًا كما وصفت والدتها.

اضطرت إيفانجلين إلى النظر لأسفل نحو الأحجار الرطبة لتتأكد من أن قدميها لا تزالان على الأرض ولم تطِر، لأن قلبها كان يطير فرحًا. دخول الشمال لم يكن مجرد بداية لشيء جديد، بل بدا وكأنه بداية كل شيء.

خلف الأرصفة، ارتفعت أبراج المتاجر الخشبية بدلًا من أن تمتد عرضيًا. كل طابق منها يحمل واجهات متجرية تقليدية ساحرة، موصولة بجسور مشاة يكسوها الضباب، متقاطعة فوق رأس إيفانجلين في نمط متاهة مدهش. الشمال جعلها تفكر في والدتها بالطبع، ولكن بشعور من الألم، أدركت أنه كان أيضًا مكانًا كانت تتمنى استكشافه مع والدها. المتاجر القليلة التي تمكنت من رؤية داخلها بدت تمامًا كنوع الأماكن التي كان والدها سيعثر فيها على غرائب جديدة لمتجره.

صرخت فتاة تحمل حقيبة مليئة بالصحف الملفوفة
“احصل على إشاعة اليوم! مثالية إذا كنت تراهن على من سيخطبها الأمير — أو إذا كنت تريد معرفة منافساتك!”

قالت ماريسول، وهي تحدق في الصحف بفضول “يجب أن نشتري واحدة.”
ونظرًا لعدم حب ماريسول لصحف الفضائح، لم تكن هذه الاستجابة متوقعة. لكنه كان تمامًا نوع المغامرة الذي كانت إيفانجلين تأمل أن توقظه هذه الرحلة فيها.

مدّت إيفانجلين يدها إلى كيس النقود. العملة كانت مختلفة، لكن الإمبراطورة زودتها بسخاء بنقود شمالية.
“بكم؟”

قالت الفتاة “نصف مارك فقط. انتظري—”
قفز حاجباها وهي تحدق بإيفانجلين عن قرب.
“إنها أنتِ! وشعرك الوردي حقيقي!”
دفعت الصحيفة في يد إيفانجلين وهي تغمز لها

“إنه على حسابي. لقد راهنتُ على أن الأمير أبولو سيختاركِ أنتِ من بين الأخريات.”

لم تعرف إيفانجلين كيف ترد، سوى الإصرار على أن تدفع للفتاة ضعف ثمن الصحيفة.

___________________________

إشاعة اليوم

لْنبدأ بالمراهنات
بقلم كريستوف نايتلنجر

غدًا هو الليلة الأولى من احتفال مهرجان ليلة لا تنتهي . وقد بدأ القصر الآن في استقبال الرهانات على كل شيء، من الشريكات في الرقص إلى عروض الزواج، وكما وعدتكم، لديّ توقعاتي!

جميعنا يعلم أن الأمير أبولو صرّح بأنه قد لا يختار عروسًا، وأنه إذا بدأ احتفال ليلة لا تنتهي، فقد لا ينتهي أبدًا. لكنني لا أنصح بالمراهنة على هذا الاحتمال. لديّ من مصدر موثوق أن الأمير أبولو يضع عينيه على عدة سيدات، ولديّ بعض النظريات الممتازة حول من قد تكنّ هؤلاء الفتيات.

مرشحتي الأولى هي ثيسالي فورتونا، والتي لا تحتاج إلى تعريف. وبما أنها من إحدى العائلات العريقة الكبرى، فلن أتفاجأ إن كانت ثيسالي هي أول من يختارها الأمير أبولو للرقص معه غدًا في الليلة الافتتاحية.

ومع ذلك، إذا كان أميرنا يسعى لكسب ودّ أولئك منا الذين لا ينتمون إلى أنساب نبيلة، فقد يختار الراقصة أرييل لالاجريماس لتكون شريكته الأولى في الرقص. عائلة لالا يكتنفها الغموض، وهو ما يكون غالبًا رمزًا للأصل المتواضع، لكن جمالها يكاد يكون أسطوريًّا. ونحن جميعًا نعلم كم يُقدّر الأمير أبولو الجمال.

لكن، للأسف، لست متأكدًا إن كنت سأراهن على زواجه من لالا. فقد سمعت مرارًا أن الأمير أبولو قد يكون واقعًا بالفعل في حب الأميرة الشهيرة سيرينديبيتي سكايستيد من جزر آيسهافن. لقد عرفا بعضهما البعض منذ الطفولة.

كانت ترسل رسائل أسبوعية إلى القصر، كشف مصدر سري.

إذا كنت تراهن على من سيطلب الأمير الزواج منها، فقد تكون الأميرة سيرينديبيتي هي الرهان الأكثر أمانًا.

ومع ذلك، إن كنت تميل إلى المخاطرة كما أفعل أنا، فقد ترغب في وضع أموالك على أجنبية أخرى—إيفانجلين فوكس من إمبراطورية ميريديان. يتيمة، لُعنت من قِبل الأقدار الخالدة، وهي الآن مُدلّلة الإمبراطورة الجديدة في ميريديان. القصص التي تُروى عن إيفانجلين تشبه كثيرًا حكاياتنا الملعونة—من الصعب تصديق أنها حقيقية بالكامل.

ابنة عمي من الجنوب أخبرتني أن لإيفانجلين شعرًا ورديًا ذهبيًا لامعًا، وروحًا جريئة ومغامِرة تليق به. وقد رفضت ذات مرة صفًا طويلًا من الخطّاب يمتد كشارع المدينة فقط لتظل يدها متاحة في حال رغب الأمير أبولو في أن يطلبها—وأعتقد أنني قد أراهن على أنه سيفعل.


____________________________________

ابتسمت إيفانجلين للصحيفة التي أمامها، ونسيت لوك قليلاً أكثر من ذي قبل. كانت تحاول ألّا تدع آمالها تحلّق عاليًا جدًا. فحتى عندما كانت تتحدث مع ماريسول عن ليلة لا تنتهي، لم يكن الأمر يدور فقط حول الأمير. كانتا تتحدثان عن الرقص والموضة ونوع الأشخاص الذين قد تلتقيان بهم.
لكن إيفانجلين اضطرت للاعتراف أنها كانت تريد حقًا أن تصدّق بأنها تملك فرصة للفوز بعاطفة الأمير أبولو. كانت تعلم أن تخيّل الزواج بشخص لم تلتقه بعد ليس بالأمر العملي، لكنها لم تكن تعتقد أيضًا أنه غير عملي بالكامل.

كان لوالديها قصة حب خرافية علّمتها أن تؤمن بأشياء مثل الحب من النظرة الأولى.

وكانت القصة تختلف قليلاً في كل مرة يروؤنها فيها، وكأنها إحدى حكايات والدتها الشمالية. كانت دائمًا تبدأ حين كان والدها يبحث عن النوادر في الشمال، فصادف بئرًا يخرج منها لحن ساحر. ظنّ أن البئر مسحوره، فحاول الحديث معها. وقد أجابته—أو بالأحرى والدتها هي من ردّت. كانت قد سمعت صوته يخرج من بئر عائلتها، وأحبّت فكرة إقناع هذا الغريب الجنوبي بأنها جنية ماء سحرية.
وفي بعض الروايات، لعبت به لأسابيع. وفي روايات أخرى، كان والد إيفانجلين يعلم منذ البداية أنها مجرد فتاة تلعب دورًا. لكن في جميع القصص، كانا يقعان في الحب.

كان والدها يقول دائمًا
“الحب من أول صوت.”
فتقبّله أمها على خده وتقول
“بالنسبة لي، كان فقط… الحب من أول نظرة.”

وكان والدها ووالدتها يحرصان دائمًا على إخبار إيفانجلين بأن ليس كل أنواع الحب تحدث من النظرة الأولى؛ فبعضها يحتاج وقتًا لينمو مثل البذور، أو كالبصيلات، تبقى خامدة حتى يحين موسمها.
لكن إيفانجلين لطالما أرادت الحب من أول نظرة—أرادت حبًا يشبه حب والديها، حبًا كقصة خيالية.
ونظرة واحدة على هذه الصحيفة جعلتها تصدق أكثر بقليل بأنها قد تجده هنا، في ليلة لا تنتهي.

“كل هذا حماسي للغاية!” صاحت ماريسول بسعادة نقية، لكن بعد لحظة، مرت على وجهها ظلّ غريب أربك إيفانجلين.
“رغم أنهم قالوا إنك خيار محفوف بالمخاطر، عليكِ أن تكوني حذرة الليلة مع باقي الفتيات. الآن سيظهرن بمخالب وأسنان.”

كانت إيفانجلين تعلم أن هذا التأثير بلا شك من سموم أغنيس، لكن كلمات ماريسول آلمتها.
فبمجرد أن نطقت كلمة أسنان، بدأت الندوب القلبية على معصم إيفانجلين تحترق.
أصبحت تشعر بها أكثر فأكثر منذ أن قررت التوجّه إلى الشمال. عادةً، كانت تتجاهل ذلك الألم اللاسع والأفكار المرتبطة بـ جاكس.
لكن في تلك اللحظة، لم تستطع أن تطرد الفكرة المزعجة من عقلها أن من ينبغي أن تقلق منه الليلة ليس الفتيات الأخريات، بل القدر ذو العينين الزرقاوين الذي ترك علاماته عليها.

لم يكن مهرجان ليلة لا تنتهي قد بدأت رسميًا بعد، لكن هذا المساء سيُعقد عشاء خاص للترحيب بجميع السفراء الأجانب.
وعلى عكس الحفل الرسمي الذي سيرقص فيه الأمير مع خمس فتيات فقط، هذا المساء سيقابل الجميع، بما فيهم إيفانجلين.

“يا آنساتي!” صاحت فرانجيليكا وهي تصفق.
“لن يهم كل هذا إن لم تصل الآنسة فوكس إلى عشاءها في الوقت المناسب.”
ولوّحت لهن نحو العربة التي كانت تنتظرهما.

تضاءل الإحساس بالحرق في معصم إيفانجلين، لكنه لم يختفِ تمامًا، بينما كانت العربة تهتزّ فوق طريق رمادي غير ممهد، تصطفّ على جانبيه نُزل وحانات تحمل أسماء حكايات شمالية وشخصيات تاريخية.
مرّوا بمنزل عرافة يدعى همسات ڤيسبر، وحدادة تُدعى أسلحة وولفريك.
ويبدو أن الأمير الأبدي كان حانة شهيرة، رغم أن إيفانجلين كانت أكثر فضولًا تجاه صفّ الناس المتعرج أمام مياه فورتونا ذات النكهات العجيبة.
لم تتعرف على الاسم من حكايات والدتها، لكنها تساءلت إن كانت لتلك المنشأة صلة بفتاة فورتونا التي ذُكرت في صحيفة الشائعات كمرشحة مفضلة.

وأخيرًا توقفت العربة عند نهاية الطريق البهيج، أمام نزل حورية البحر واللآلئ نُزل للمسافرين المغامرين.
ويُشاع أن هذا النزل بُني من حطام سفينة غارقة، وكان مليئًا بأرضيات تصدر صريرًا ودفء عابق أذاب البرودة عن بشرة إيفانجلين المتجمدة.

كانت الجدران مغطاة بأوراق ذات لون بُني فاتح، مرسوم عليها بحارة مذهولون وحوريات بحر شريرات. واستمر هذا الطابع في جناح إيفانجلين وماريسول، حيث كانت إطارات الأسرة تشبه صناديق كنوز خشبية مفتوحة، وعواميد الأسرّة مكوّنة من أكبر اللآلئ البيضاء التي رأتها إيفانجلين في حياتها.

ووفقًا لوالدتها، فإن حكاية الحورية واللآلئ تحكي عن حورية بحر كانت تخدع البحارة لإقناعهم بأن يحوّلوها إلى لآلئ عملاقة.
وكانت من القصص التي تبدو خيالية أكثر من كونها حقيقية.
لكن، يمكن أن تكون القصة حقيقية فعلًا، تجنّبت إيفانجلين لمس أعمدة اللؤلؤ أثناء ارتدائها ثوبها للمساء.

لقد حاولت أن تحصل على دعوة لماريسول، لكن عشاء الليلة كان حصريًا للغاية.

كان من المفترض أن يرتدي الحاضرون أزياء تعكس شيئًا عن أنفسهم أو عن الممالك التي جاؤوا منها، وثوب إيفانجلين الذي أرسلته الإمبراطورة كان يُعبّر عنها بوضوح .
وبدلًا من الأكمام، كانت هناك خيوط رفيعة من الفضة تلتف حول ذراعيها ومنطقة الصدر، ثم تنساب إلى الأسفل، فوق صدّها الأبيض الثلجي وتنورتها الضيقة البيضاء، كأنها عروق من حجر الرخام المعرق.

بدت كتمثال عاد إلى الحياة.
شحب وجه ماريسول.

“أعتقد أنه من الجيد أنني لم أُدعَ لهذا العشاء. لو منحوني ثوبًا يرمز إلى حياتي، لكان مطرّزًا بجمجمة وعظمتين متقاطعتين على الصدر.”
قالت ماريسول ذلك وكأنه مزاح، لكن صوتها كان عاليًا أكثر من اللازم، وخشنًا أكثر من المعتاد.

وهكذا، عاد الشعور بالذنب إلى قلب إيفانجلين.

“الأمور ستكون مختلفة هنا.”
قالتها إيفانجلين وهي تمسك يد أختها غير الشقيقة وتضغط عليها برقة.
مرة أخرى، شعرت برغبة شديدة في الاعتراف بالحقيقة وإخبار ماريسول أن لعنتها المزعومة كانت في الأصل خطأ إيفانجلين.

“الآنسة فوكس!”
نادتها فرانجيليكا من خلف الباب.
“لقد حان وقت المغادرة، عزيزتي.”

أغلقت إيفانجلين فمها وابتلعت أسرارها.
الاعتراف ربما كان سيخفف من شعورها بالذنب، لكنه سيُفسد أشياء كثيرة أخرى، ليس لها وحدها.
لو أخبرت ماريسول بالحقيقة، قد لا تشعر بأنها ملعونة بعد الآن، لكنها بالتأكيد كانت ستشعر بأنها خُدعت.

في الوقت الحالي، كان عليها أن تأمل فقط أن الأمور ستكون حقًا مختلفة هنا—وأن في الشمال ما يكفي من السحر لصنع نهايات سعيدة لكليهما.