الفصل السادس

 

شيء يشبه الضوء دغدغ بشرتها.

بشرتها.

كانت إيفانجلين تشعر ببشرتها.

لم تكن قد شعرت بأي شيء منذ—في الحقيقة، لم تكن تعرف كم من الوقت قد مضى. لطالما كان هناك فراغ كامل، أما الآن فقد أصبحت تشعر بكل شيء. جفونها. كاحلاها. مرفقاها. شفاهها. ساقاها. عظامها. بشرتها. رئتاها. قلبها. شعرها. عروقها. رُكبتيها. شحمتا أذنيها. عنقها. صدرها.

كانت ترتجف من ذقنها حتى أطراف قدميها. وكانت بشرتها مغطاة بالعرق، وكان الشعور بذلك رائعًا—باردًا، رطبًا، حيًّا.

لقد عادت للحياة!

“مرحبًا بعودتك.” ذراعٌ قوية أحاطت بخصر إيفانجلين بينما كانت ساقاها المتذبذبتان تعتادان مجددًا على كونها عضلات وعظام.

ثم بدأ بصرها يعود للوضوح.

وربما لأنها لم ترَ وجهًا منذ زمن، بدا الشاب الذي التفّ ذراعه حولها وسيمًا بشكل استثنائي—بشرته بنية داكنة، عيناه محاطتان بهالة كثيفة من الرموش، ابتسامة توحي عن كمّ هائل من السحر والجاذبية. كان كتفاه مغطّيان بعباءة خضراء درامية، مبطنة بأوراق نحاسية لامعة تضاهي وجهه بهاءً. “هل يمكنك التحدث؟” سأل.

“لماذا—” سعلت إيفانجلين لتتخلص من الخشونة في حلقها. “لماذا تبدو وكأنك ساحر غابة؟”

تشنّجت بمجرد أن خرجت الكلمات من فمها. كان واضحًا أن عقلها لم يتحكم بعد في كلامها بشكل جيد. لقد أنقذها هذا الغريب، وتأمل ألا تكون قد أساءت إليه.

ولحسن الحظ، اتّسعت ابتسامة الشاب المتألقة. “ممتاز. أحيانًا لا تعود القدرة على الكلام مباشرة. الآن، أخبريني باسمك الكامل يا عزيزتي. أحتاج أن أتأكد من أن ذاكرتك سليمة قبل أن أسمح لكِ بالمغادرة.”

“المغادرة إلى أين؟” حاولت إيفانجلين أن تستوعب باقي محيطها. بدا وكأنها في مختبر. كل طاولة عمل وكل رف من رفوف الصيدلية كان مليئًا بالقوارير الفوّارة أو المراجل الفوّاحة، التي ملأت الهواء برائحة تشبه الراتنج. لم يكن هذا حديقة والدتها. الشيء الوحيد المألوف في الغرفة كان شعار إمبراطورية ميريديان الملكي مرسومًا على أحد الجدران الحجرية. “أين نحن؟ وكم من الوقت كنتُ تمثالًا؟”

“فقط حوالي ستة أسابيع. أنا صانع الجرعات في القصر، وأنتِ في مختبري الممتاز. لكن يمكنكِ المغادرة بمجرد أن تخبريني باسمك.”

أخذت إيفانجلين لحظة لتجميع أفكارها. ستة أسابيع تعني أنهم في منتصف موسم الحرّ. ليست خسارة مدمّرة. كان يمكن أن تكون ست سنوات، أو ستين.

لكن إن كانت فقط ستة أسابيع، فلماذا لم يكن هناك أحد في استقبالها؟ كانت تعرف أن زوجة أبيها لا تكنّ لها الكثير من المودة، ولم تكن قريبة من أختها غير الشقيقة، لكنها أنقذت حياتهم. ولوك… لكنها لم ترغب في تخيّل سبب غيابه. هل من الممكن أن أحدًا لم يعلم أنها قد أُعيد إحياؤها؟
“أنا إيفانجلين فوكس.”

“يمكنكِ مناداتي بـ ‘بويسن’ (السم).” ترك صانع الجرعات خصرها ليرفع يده في إيماءة فخمة.

وعلى الفور، عرفت إيفانجلين من يكون هذا الشاب. كان ينبغي أن تدركه من البداية. فقد بدا تمامًا كصورته على بطاقة التنبؤ بالمصير من “أوراق القدر”. كان يرتدي عباءة طويلة متدفقة، وخواتم مرصعة بالجواهر في كل أصبع، ومن الواضح أنه يعمل مع الجرعات. بويسن هو “المُسمِّم”. أحد الاقدار الخالدة، تمامًا مثل جاكس.

“كنت أظن أن كل الاقدار قد اختفوا.” قالت إيفانجلين بفزع.

“لقد عدنا مؤخرًا عودة عظيمة، لكن هذه ليست قصة هذا الأمر.” أصبح وجه بويسن ساكنًا بشكل مخيف، محذّرًا إياها أن هذا موضوع لا يريد مناقشته.

ربما كانت إيفانجلين لا تزال مترنحة، لكنها كانت أذكى من أن تُلحّ، على الرغم من كل الأسئلة التي أثارها هذا الاكتشاف. لم تكن سمعة بويسن مميتة مثل جاكس. ووفقًا للأساطير، لم يكن يؤذي أحدًا بشكل مباشر عادة، لكنه يصنع ترياقات سامة وجرعات غريبة وسيرومات عجيبة للآخرين، والذين أحيانًا يستخدمونها استخدامًا فظيعًا.

نظرت إيفانجلين إلى الكأس الذي لا يزال في يدها.

سم
لا تشربني

“هل تمانعين إن أخذت هذا؟” وبإحدى يديه المرصعة بالجواهر، أخذ بويسن الكأس.

تراجعت إيفانجلين خطوة حذرة. “لماذا أنا هنا؟ هل طلب منك جاكس مساعدتي؟”

ضحك بويسن، وعاد وجهه إلى نبرة الودّ. “آسف يا عزيزتي، لكن جاكس على الأرجح نسي أمرك تمامًا. لقد وقع في ورطة خلال الأسابيع التي كنتِ فيها حجرًا. أؤكد لكِ أنه لن يعود إلى فاليندا.”

كانت إيفانجلين تعرف أنه لا ينبغي أن تكون فضولية. فبعد آخر لقاء لها مع جاكس، لم تكن ترغب أبدًا برؤيته ثانيةً ولا أن تعطيه فرصة ليطالب بالدين الذي تدين به له. لكن جاكس لم يكن من النوع الذي يفرّ. لم يكن يمكن قتله—إلا إذا كانت تلك الأسطورة خاطئة، والاقدار ليسوا خالدين بالكامل؟

“ما نوع الورطة التي وقع فيها جاكس؟” سألت.

ضغط بويسن على كتفها بطريقة جعلت كلمة ورطة تبدو تقليلاً كبيرًا لما حدث لجاكس. “إن كنتِ تملكين ذرة من حب للعيش، فانسِ أمره.”

“لا تقلق.” قالت إيفانجلين. “لا رغبة لي برؤية جاكس مرة أخرى على الإطلاق.”

رفع بويسن حاجبًا متشككًا. “قد تقولين هذا، لكن ما إن تخطين عبر باب عالمنا، يصبح من شبه المستحيل العودة إلى العادي. معظمنا غادر هذه المدينة، لذا من غير المرجح أن تصادفي أحدًا منا صدفة. لكن الآن بعد أن تذوّقتِ عالمنا، ستبدأ حياتك العادية بالشحوب. ستنجذبين إلينا. حتى لو لم ترغبي برؤية جاكس مجددًا، ستنجذبين إليه حتى تكملي الصفقة التي أبرمتيها معه. لكن إن كنتِ ترغبين بفرصة للسعادة، فقاومي هذا الجذب—جاكس لن يقودكِ إلا إلى الهلاك.”

انعقدت شفتا إيفانجلين في عبوس. لم تكن تختلف معه، لكنها لم تفهم لماذا يُقدم قدر خالد على تحذيرها.

“لن أفهم البشر أبدًا.” تنهد بويسن. “كلكم تستقبلون أكاذيبنا بصدر رحب، لكن لا يعجبكم الأمر حين نقول الحقيقة.”

“ربما من الصعب تصديق أن قدر خالد قد يساعد إنسانًا بدافع طيب النية؟”

“وماذا لو قلت لكِ أنني أتصرف بدافع مصلحتي الشخصية؟” أخذ بويسن رشفة من كأسه. “فاليندا هي موطني. ولا أرغب بأن أُجبر على الفرار إلى الشمال مثل الآخرين بسبب سوء السلوك — السحر هناك يفسد قدراتي، بالإضافة إلى أن الطقس شديد البرودة. لهذا السبب أحاول أن أكون مفيدًا هنا. والآن، انطلقي، هناك آخرون في القاعة الكبرى بانتظار رؤيتك.”

أدارها بويسن نحو درج حلزوني، حيث شمّت إيفانجلين واحدة من أشهى الروائح: كعكة السكر الوردي.

قرقرت معدتها. لم تكن قد أدركت كم كانت جائعة.

بعد أن شكرت بويسن، صعدت الدرجات.

وفي ثوانٍ، أصبح الهواء أكثر حلاوة، وتحولت الدنيا إلى إشراق جعلها تشعر وكأن حياتها السابقة لم تكن سوى باهتة. كانت القاعة الكبرى تبدو وكأنها مصنوعة من البريق والضوء؛ ثريات ذهبية على شكل تيجان تعلو طاولات مذهبة، وقيثارات، وبيانو فاخر بمفاتيح ذهبية. ومع ذلك، كان منظر الناس هو ما جعلها تنسى كيف تتنفس.

الكثير من الناس. جميعهم يصفقون ويبتسمون لها.

كانت إيفانجلين ودودة مع كثيرين من متجر والدها للغرائب، ويبدو أن كل واحد منهم كان هناك للترحيب بعودتها. كان ذلك مؤثّرًا ومبهجًا، لكنه بدا غريبًا بعض الشيء أيضًا.

“مرحبًا، أيتها الجميلة!” نادت السيدة مالوري، التي كانت تجمع خرائط الأماكن الخيالية. “لدي الكثير لأخبرك به عن حفيدي.”

“لا أستطيع الانتظار لسماعه.” ردّت إيفانجلين، قبل أن تُصافح رجلًا كان يطلب دائمًا كتب طهو أجنبية نادرة.

“أنا فخورة بك!” صاحت الليدي فين، التي كانت تحب أواني الحبر المتلاشي.

بعد أسابيع من الفراغ الكامل، كانت إيفانجلين ملفوفة بالأحضان والقبلات على وجنتيها. ومع ذلك، انقبض قلبها حين لم تجد لوك بين الحاضرين.

كانت أختها غير الشقيقة تقف على الجانب، ولم يكن لوك معها أيضًا. لكن إيفانجلين لم تشعر بالراحة التي كانت تتوقعها من غيابهما معًا. هل لم يعلم لوك بهذا التجمع؟ أم أن هناك سببًا آخر جعله يختار عدم الحضور؟

كانت تعابير ماريسول يصعب قراءتها. كانت تتمايل واقفة وتحاول منع ذبابة من الهبوط على كعكة السكر الوردية اللامعة بين يديها. لكن ما إن رأت إيفانجلين، حتى اتّسعت ابتسامتها حتى صارت في جمال الكعكة نفسها.

كانت أغنيس تحتقر حب ابنتها للخبز—كانت تريد أشياء عظيمة لماريسول، وكانت تقول إن الطبخ هواية عادية جدًا—لكن إيفانجلين تساءلت إن كانت قد سمحت لها بصنع هذه الحلوى خصيصًا لهذا اليوم. كانت هناك أربع طبقات من الكعكة الوردية الهشة، وطبقات بديلة من كريمة السكر، وقوس من الزينة، وبطاقة بسكويت ضخمة على شكل بطاقة هدية كتب عليها:
مرحبًا بعودتك، أختي!

امتزج شعور الذنب الكثيف بثقل مع عدم ارتياح إيفانجلين. لم تكن لتتوقع مثل هذا التصرف من أختها غير الشقيقة، وبالتأكيد لم تكن تستحقه.

“أوه، ها هي فتاتي العزيزة الجميلة!” اقتربت أغنيس وألقت ذراعيها حول إيفانجلين. “كنا قلقين عليك بشدة. كان من المريح جدًا أن نسمع بوجود من يستطيع معالجتك.”
شدّت أغنيس على إيفانجلين أكثر وهمست،
“العديد من الخُطّاب قد استفسروا عنك. والآن بعد أن عدتِ، سأرتب لزيارة أغناهم.”

 

لم تكن إيفانجلين متأكدة من كيفية الرد—لا على ما قالته أغنيس للتو،
 ولا على هذا الإصدار الجديد من زوجة أبيها التي تؤمن بالعناق.
 حتى عندما تزوجت أغنيس من والد إيفانجلين لأول مرة، لم تعانقها قط.
لقد تزوجت أغنيس من ماكسيميليان لنفس السبب الذي تزوجها من أجله—لضمان أن تُؤمَّن حياة ابنته.
 لم يكن ماكسيميليان فوكس ثريًّا—فقد فشلت مشاريعه التجارية بقدر ما نجحت تقريبًا—
لكنه كان خيارًا محترمًا لأرملة لديها ابنة.

أفلتت أغنيس إيفانجلين من العناق، فقط لتوجهها نحو رجل تمنّت إيفانجلين ألا يكون خاطبًا.

كان يرتدي قميصًا حريريًّا أبيض واسعًا تتدلى من عنقه كَرَفَة دانتيل فاخرة،
ويقترن ذلك بسروال جلدي أسود ضيّق للغاية حتى إن إيفانجلين استغربت كيف يستطيع التحرك.

قالت أغنيس “إيفانجلين، هذا السيد كوتلاس نايتلينغر من صحيفة ذا ويسبر غازيت”.

قالت إيفانجلين بدهشة “أأنت تكتب لتلك الصحف الفضائحية؟”

أجابت أغنيس باستياء “إنها ليست صحفًا فضائحية؛ إنها مجلة دورية”، مما جعل إيفانجلين تظن أن الصحيفة الوليدة قد نمت في عدد قرائها ومصداقيتها منذ المقال الذي ألهمها البحث عن باب كنيسة أمير القلوب.

قال كوتلاس نايتلينغر وهو يمرر قلماً مغطى بالريش الأسود على شفتيه “في الواقع لا يهمني ما تسمينها، آنسة فوكس، طالما سُمح لي أن أكتب عنك فيها. لقد كنت أتابع كل ما يتعلق بعودة الأقدار الخالدين، ولدي عدة أسئلة لكِ.”

شعرت إيفانجلين فجأة بعدم ثبات في قدميها. آخر ما تريده هو الحديث عما حدث مع جاكس. لا يمكن لأحد أن يعرف أنها عقدت صفقة مع أحد الأقدار.

ولو كانت قد تعافت تمامًا، لكانت انسحبت منه بعذر ذكي. لكنها لم تكن كذلك، وكان السيد كوتلاس نايتلينغر، بصدره المزدان بالدانتيل وسرواله الجلدي الأسود، هو من أخذ زمام الأمور.

بسرعة، اقتادها بعيدًا عن الحفل، عبر ستائر ذهبية سميكة، إلى مقعد مخفي داخل محراب تفوح منه رائحة الغموض والمسك والسحر المزيف. أو ربما كانت تلك رائحة عطر نايتلينغر.

قالت إيفانجلين وهي تحاول النهوض “سيد نايتلينغر— لا أعتقد أن اليوم مناسب للمقابلة.”
وبدأ العالم يدور من حولها. كانت بحاجة شديدة إلى الطعام.

ضحك كوتلاس، ضحكة سريعة مدروسة تمامًا كضربات قلمه “لا تقلقي، ما تقولينه لا يهم كثيرًا. أنا أجعل الأشخاص الذين أُجري معهم المقابلات يبدون رائعين. والجميع يحبك بالفعل. بعد التضحية التي قدمتيها، أصبحتِ من أبطال فاليندا المفضلين.”

قالت “لكني لست بطلة حقًا.”

“أنت متواضعة للغاية.” اقترب منها كوتلاس أكثر. وكانت الرائحة الثقيلة المحيطة بها بالتأكيد من عطره. “خلال أسبوع الرعب—”

“ما هو أسبوع الرعب؟”

“كان مثيرًا للغاية! بدأ مباشرة بعد أن تحولتِ إلى حجر. عادت الأقدار الخالدة—هل تصدقين أنهم كانوا محتجزين داخل رزمة من البطاقات؟! تسببوا في الكثير من الفوضى والاضطراب عندما هربوا وحاولوا السيطرة على الإمبراطورية. لكن قصتك، حين ضحيتِ بنفسك بدلًا من الحفل وتحوّلتِ إلى حجر، ألهمت الناس في كل مكان خلال تلك الفترة العصيبة. أنتِ بطلة.”

جفّ حلق إيفانجلين فجأة. لا عجب في أن الحضور كان كبيرًا. “آمل أنني فعلت ما كان سيفعله أي شخص آخر لو كان مكاني.”

قال وهو يخرج مفكرة صغيرة بشكل مستحيل من سترته الجلدية ويبدأ بالكتابة “هذا مثالي. قرّائي سيحبون ذلك. الآن—”

قاطعته معدتها بأزيز مرتفع.

ضحك كوتلاس “قليلاً من الجوع؟”

قالت “لا أذكر آخر مرة أكلت فيها. ربما علي أن—”

“لدي فقط بضع أسئلة إضافية. هناك شائعات تقول إنه بينما كنتِ ما تزالين حجرًا، بدأت والدتك بالتبني بتلقي عروض زواج باسمك—”

قاطعت إيفانجلين بسرعة “أوه، أغنيس زوجة أبي فقط، لم تتبنّني.”

“لكن من الآمن أن نقول إنها ستفعل الآن.” غمز كوتلاس. “نجمكِ في صعود، آنسة فوكس. الآن، هل لي بكلمة وداعية لمعجبيكِ؟”

كلمة معجبين تركت طعمًا مريرًا في فمها. لم تكن تستحق أي معجبين. وسيتغير رأي الجميع دون شك إن عرفوا ما فعلته حقًا.

قال وهو يمرر قلمه مجددًا “إن لم تكوني قادرة على الكلام، سأخترع شيئًا رائعًا.”

قالت بسرعة “انتظر—” لم تكن تعرف بعد ما ستقوله، لكنها ارتجفت من مجرد التفكير بما قد يكتبه. “أعلم أن القصص كثيرًا ما تكتسب حياة خاصة بها. وأشعر بالفعل أن الرعب الذي مررتُ به يتحول إلى حكاية خرافية، لكنني لست مميزة، وهذه ليست حكاية خرافية.”

قاطعها كوتلاس “ومع ذلك، انتهى الأمر لصالحك.”

قال صوت ناعم خلفهم “لقد كانت حجرًا لستة أسابيع. لا أعتقد أن ذلك يعتبر نهاية جيدة.”

نظرت إيفانجلين من فوق كتف كوتلاس لترى أختها غير الشقيقة.

وقفت ماريسول بين الستائر الذهبية، تمسك كعكة السكر خاصتها كدرع.

استدار كوتلاس وهو يصدر حفيفًا من الدانتيل والجلد “العروس الملعونة!”

واحمرّ وجه ماريسول بدرجة مؤلمة.

قال كوتلاس بحماسة “هذا رائع!” وبدأ قلمه في الحركة مجددًا. “أرغب في الحديث معكِ.”

قاطعت إيفانجلين، وقد شعرت أن ماريسول هي من تحتاج للإنقاذ الآن “في الواقع، لم أقضِ أي وقت مع أختي غير الشقيقة، لذا سأخطفها قليلاً لتناول بعض الكعك.”

دفعت إيفانجلين كوتلاس أخيرًا، وارتبطت ذراعًا بذراع مع أختها، وغادرت عبر الستائر.

قالت ماريسول وهي تتشبث بها “شكرًا لك.”
وعلى الرغم من أنهما لم تكونا معتادتين على الترابط بهذه الطريقة،
 شعرت إيفانجلين أن ماريسول قد أصبحت أنحف. كانت دائمًا نحيلة مثل والدتها،
 لكنها اليوم بدت هشة. وكان جلدها شاحبًا وكأنه شمعي، وقد يكون ذلك من تأثير لقاءها بكوتلاس. لكن كانت هناك أيضًا هالات تحت عينيها البنيتين الفاتحتين بدت وكأنها موجودة منذ أيام، وربما أسابيع.

توقفت إيفانجلين فجأة قبل أن تعودا إلى الحفل. كانت قد تساءلت سابقًا عن سبب غياب لوك، لكنها الآن شعرت بالخوف من الإجابة. “ماريسول، ما الخطب؟ وأين لوك؟”

هزّت ماريسول رأسها “لا ينبغي أن نتحدث عن هذا الآن. هذا يومكِ السعيد. لا أريد أن أفسده.”

قالت إيفانجلين “لقد صنعتِ لي كعكة وأنقذتِني من ملك الصحف الفضائحية—أعتقد أنكِ البطلة الحقيقية.”

امتلت عينا ماريسول بالدموع، وشعرت إيفانجلين كأن سكينًا تلتف في صدرها.

سألتها بقلق “ما الأمر؟ أخبريني؟”

عضّت ماريسول شفتها “حدث قبل أربعة أسابيع، عندما قررنا، لوك وأنا، أن نحاول الزواج مجددًا.”

تزوجا وهي ما تزال حجرًا؟ هذه المرة، شعرت إيفانجلين وكأن السكين يسيل منها الدم.
 لم يكن يجب أن تؤذيها هذه الأخبار بهذا الشكل. حين لم ترَ لوك في مختبر بويسن أو في حفل الترحيب، ظنت أنه لا يزال يكن لها شيئًا. لكن سماع أنه لم ينوِ حتى أن ينوح عليها، وأنه بعد أسبوعين فقط من تحولها إلى حجر، خطط لزفاف آخر، كان مؤلمًا.

قالت ماريسول “ظننا أننا سنكون بأمان لأن أسبوع الرعب انتهى. لكن في طريقه إلى الزفاف، هاجمه ذئب بري.”

قالت إيفانجلين بذهول “ماذا؟ لحظة—ماذا؟” كانت فاليندا مدينة ساحلية مزدحمة.
 أكبر الحيوانات فيها كانت الكلاب، تليها القطط البرية التي تتجول في الأرصفة. لم تكن هناك ذئاب في فاليندا.

قالت ماريسول بيأس “لا أحد يعرف من أين أتى الذئب. قال الطبيب إنه من المعجزات أن ينجو لوك. لكنني لست متأكدة أنه نجا حقًا. لقد تعرض لتشويه شديد.”

انهارت ساقا إيفانجلين من تحتها. حاولت فتح فمها لتقول إن بقاءه حيًّا كافٍ، لكن أسلوب حديث ماريسول كان يوحي بأنه مات.

قالت ماريسول بصوت مختنق “مرّت أسابيع، ولم يغادر منزله بعد، و—” ثم تقطّعت كلماتها، وبدأت كعكتها ترتعش حتى سقطت منها قطرة من الكريمة على السجادة. “يرفض رؤيتي. أعتقد أنه يظن أنني السبب.”

سألتها إيفانجلين بدهشة “كيف يكون ذاك خطأك؟”

“سمعتِ السيد نايتلينغر. الجميع في فاليندا ينادونني بالعروس الملعونة. زفافان ومأساتان مروعتان في غضون أسابيع. تقول أمي إن هذا ليس أمرًا سيئًا، وأنني مميزة لأنني أول من جذب انتباه الأقدار بعد عودتهم. لكنني أعلم أنني لست كذلك. أنا ملعونة.” وانهمرت الدموع على خدي ماريسول الشاحبين.

حتى تلك اللحظة، كانت إيفانجلين تحاول جاهدة ألا تندم على قراراتها. ربما كان هجوم لوك من قبيل المصادفة، لكن من المرجح أنه لم يكن مجرد عمل ذئب بري. لقد أخبرها جاكس أنه سيوقف الزفاف، ومن الواضح أنه فعل.

لم يكن ينبغي لإيفانجلين أن تعقد صفقة معه.

أرادت أن تلوم جاكس وحده، لكنها كانت مذنبة مثله. عرفت منذ أن رأت التماثيل في الحديقة أنها ارتكبت خطأً. وظنّت أنها أصلحته بتضحيتها، لكنها ما كان يجب أن تطلب مساعدة أمير القلوب من البداية.

 “ماريسول، عليّ أن أخبركِ—” لكن الكلمات التصقت بلسانها. حاولت تحريك فكها لتقول الحقيقة، لكنها كانت خائفة.

كانت ترتجف، كما في اليوم الذي علمت فيه بخطوبة لوك لماريسول. علقت الكلمات في حلقها حين حاولت الحديث مع ماريسول عن لوك. كانت مقتنعة تمامًا أن هناك لعنة. ولا تزال ترغب في تصديق ذلك. لكن إيفانجلين لم تستطع إنكار احتمال أنها كانت مخطئة.

ربما السبب الحقيقي وراء عدم قدرتها على الحديث مع ماريسول عن لوك لم يكن بسبب تعويذة. ربما كان الخوف هو ما شلّ لسانها. ربما، في أعماقها، كانت تخشى أن تكون الحقيقة هي أن لوك لم يكن مخلصًا لها قط.

قالت ماريسول “لا بأس، إيفانجلين. لست مضطرة لقول أي شيء. أنا فقط سعيدة بعودتك!” وضعت كعكتها على أقرب طاولة مذهّبة، واحتضنت إيفانجلين، ذلك العناق الذي لطالما تخيلته كعناق الأخوات الحقيقيات.

وعرفت حينها أنها لا تستطيع قول الحقيقة، ليس اليوم.

لقد قضت إيفانجلين الأسابيع الستة الماضية وحيدة كتمثال حجري. لم تكن مستعدة لتكون وحيدة مجددًا. لكنها ستكون كذلك، إن علم أحدهم بما فعلت.

أضف تعليق