الفصل الاول

________________________

صحيفة الهمسات

إلى أين سيصلي أصحاب القلوب المكسورة الآن؟

بقلم: كتلاس نايتلينغر

لقد اختفى باب كنيسة أمير القلوب. كان الباب مطليًا بأحمر قانٍ يشبه لون القلوب المحطمة، وكان مدخلًا شهيرًا لأحد أكثر الكنائس زيارةً في حي المعابد. لكنه ببساطة اختفى خلال الليل، تاركًا وراءه جدارًا من الرخام لا يمكن اختراقه. وأصبح من المستحيل الآن على أي أحد دخول الكنيسة—
________________________

دفعت إيفانجلين الصحيفة القديمة ذات الأسبوعين إلى جيب تنورتها المزينة بالزهور. كان الباب في نهاية هذا الزقاق المتداعي بالكاد أطول منها، ومخبأً خلف شبكة معدنية متصدئة بدلاً من أن يكون مغطى بطلاء أحمر قاني جميل، لكنها كانت لتراهن بمتجر والدها للتحف الغريبة أن هذا هو الباب المفقود.

لم يكن هناك شيء في حي المعابد بهذا القبح. كل مدخل هنا كان مزيّناً بألواح منقوشة، وكُسوات زخرفية، وواقيات زجاجية، وفتحات أقفال مذهبة. كان والدها رجلاً مؤمناً، لكنه اعتاد أن يقول إن الكنائس هنا مثل مصاصي الدماء—لم تُصمَّم للعبادة، بل للإغراء والإيقاع بالناس. لكن هذا الباب كان مختلفًا. كان مجرد لوح خشبي خشن بلا مقبض، وطلاؤه الأبيض متقشر.

هذا الباب لم يكن يريد أن يُعثَر عليه.

ومع ذلك، لم يستطع أن يخفي حقيقته عن إيفانجلين.

كان شكله المتعرج لا يُخطئ: جانب منه منحني، والآخر مشقوق بأسنان حادة، يشكلان معًا نصف قلب مكسور—رمز الأمير المصيري للقلوب.

أخيرًا.

لو كانت الآمال أجنحة، لكانت أجنحة إيفانجلين قد امتدت خلفها، متلهفة للتحليق من جديد. بعد أسبوعين من البحث في مدينة فاليندا، وجدته.

عندما أعلنت صحيفة الهمسات التي في جيبها لأول مرة أن باب كنيسة أمير القلوب قد اختفى، لم يتخيل الكثيرون أنه سحر. كانت المقالة الأولى للصحيفة، وقال الناس إنها خدعة لبيع الصحيفة. الأبواب لا تختفي ببساطة.

لكن إيفانجلين كانت تؤمن بأنها قد تختفي. لم تشعر أن القصة كانت مجرد حيلة؛ بل شعرت بأنها إشارة، تخبرها أين تبحث إن أرادت أن تنقذ قلبها—والفتى الذي ينتمي إليه.

قد لا تكون قد رأت الكثير من الأدلة على السحر خارج الأشياء الغريبة في متجر والدها، لكن إيمانها بوجوده كان راسخًا. كان والدها، مكسيميليان، يتحدث عن السحر كما لو كان حقيقيًا. ووالدتها كانت من الشمال الرائع، حيث لا فرق بين الحكايات الخرافية والتاريخ. “كل القصص مزيج من الحقيقة والكذب،” كانت تقول. “ما يهم هو الطريقة التي نؤمن بها.”

وكان لدى إيفانجلين موهبة في الإيمان بأشياء يعتبرها الآخرون خرافات—مثل الأقدار الخالدة.

فتحت الشبكة المعدنية. لم يكن للباب نفس المقبض، مما اضطرها إلى إدخال أصابعها في الفراغ الضيق بين حافته المسننة والجدار الحجري المتسخ.

خدش الباب أصابعها، وسال منها قطرة دم، وأقسمت أنها سمعت صوته الخشبي المشقق يقول:
“هل تعلمين ما الذي أنتِ على وشك الدخول إليه؟ لن تجدي سوى انكسار القلب هنا.”

لكن قلب إيفانجلين كان مكسورًا بالفعل. وكانت تفهم المخاطر التي كانت تُقدم عليها. لقد عرفت قواعد زيارة كنائس الأقدار:

  • وعدي بأقل مما يمكنك تقديمه، لأن الأقدار تأخذ دائمًا أكثر.

  • لا تعقدي صفقات مع أكثر من قَدَر واحد.

  • وفوق كل شيء، لا تقعي في حب أحد الأقدار.

كان هناك ستة عشر قدرًا خالداً، وكانوا كائنات غيورة ومتملكة. وقبل أن يختفوا منذ قرون، كان يُقال إنهم حكموا جزءًا من العالم بسحرٍ كان رائعًا بقدر ما هو خبيث. لم يسبق لهم أن نكثوا بصفقة، لكنهم كثيرًا ما ألحقوا الأذى بمن ساعدوهم. ومع ذلك، فإن أغلب الناس—حتى لو ظنوا أن الأقدار مجرد أساطير—كانوا يصلون إليهم في لحظة اليأس.

لطالما كانت إيفانجلين فضولية بشأن كنائسهم، لكنها كانت تعرف ما يكفي عن طبيعة الأقدار المتقلبة وصفقاتهم الغامضة لتتجنب أماكن عبادتهم. حتى قبل أسبوعين، حين أصبحت واحدة من أولئك الأشخاص اليائسين الذين تحذرهم القصص دومًا.

“أرجوك،” همست إلى الباب الذي على شكل قلب، حاشدة في صوتها كل الأمل الجامح والمجروح الذي قادها إلى هنا.
“أعلم أنك مخلوق ذكي. لكنك سمحت لي بأن أعثر عليك. فدعني أدخل.”

شدّت الباب دفعة أخيرة.

وهذه المرة، انفتح الباب.

تسارَع نبض إيفانجلين وهي تخطو أولى خطواتها. خلال بحثها عن الباب المفقود، قرأت أن كنيسة أمير القلوب تحمل لكل زائر رائحة مختلفة. كان يُقال إنها تفوح برائحة أعظم انكسار عاطفي للزائر.

لكن حين دخلت إيفانجلين الكاتدرائية الباردة، لم تذكّرها الرائحة بلوك(حبيبها الذي كسر قلبها) لم تكن هناك لمحات من الجلد المدبوغ أو نبتة الفيتيفر.
بل كان الهواء المعتم داخل الكنيسة ذا رائحة حلوة ومعدنية قليلاً مثل رائحة التفاح والدم.

غمر القشعريرة ذراعيها.
هذه الرائحة لم تكن تُشبه الصبي الذي تُحبه. لا بد أن الرواية التي قرأتها كانت خاطئة. لكنها لم تستدر لتعود. كانت تعرف أن الأقدار ليسوا قديسين أو مخلّصين، وإن كانت تأمل أن يكون أمير القلوب أكثر إحساسًا من الباقين.

تقدّمت أكثر إلى داخل الكاتدرائية. كل شيء كان أبيضًا بشكل صادم. سجاد أبيض، شموع بيضاء، مقاعد صلاة من خشب البلوط الأبيض، والحور الأبيض، والبتولا الأبيض المتقشر.

مرت إيفانجلين بمقعد تلو الآخر من المقاعد البيضاء غير المتناسقة. ربما كانت أنيقة في السابق، لكن كثيرًا منها الآن فقد إحدى أرجلها، أو كانت وسائدها ممزقة، أو قد انقسمت إلى نصفين.

مكسور.
مكسور.
مكسور.

لا عجب أن الباب لم يرغب في السماح لها بالدخول. ربما لم تكن هذه الكنيسة شريرة… بل كانت حزينة.

ثم شقّ تمزيقٌ خشن سكون الكنيسة.

استدارت إيفانجلين بسرعة وكتمت شهقة.

على بعد عدة صفوف خلفها، في زاوية مظلّلة، بدا شاب وكأنه في حالة حداد، أو يؤدي طقس توبة. خصلات شعر ذهبي فوضوية غطّت وجهه بينما كان ينحني، وأصابعه تمزّق أكمام معطفه الكستنائي.

شعرت إيفانجلين بوخزة في قلبها وهي تراقبه. أغراها أن تسأله إن كان يحتاج المساعدة. لكنه على الأرجح اختار تلك الزاوية ليبقى بعيدًا عن الأنظار.

ولم يكن لديها وقت كثير.

لم تكن هناك ساعات في الكنيسة، لكن إيفانجلين أقسمت أنها سمعت دقات عقرب الثواني، وكأنها تمحو الدقائق الثمينة المتبقية قبل زفاف لوك.

أسرعت عبر الممر الرئيسي نحو الحنية، حيث توقفت صفوف المقاعد المحطمة، وارتفعت منصة من الرخام اللامع أمامها.
كانت المنصة نقية، مضاءة بجدار من شموع شمع العسل، ومحاطة بأربعة أعمدة مخددة، تحرس تمثالاً بحجم هائل لأمير القلوب المصيري.

وخزٌ خفيفٌ لسع مؤخرة عنقها.

كانت إيفانجلين تعرف تمامًا كيف يُفترض أن يبدو شكله. لقد أصبحت بطاقات المصير — التي تستخدم صور الفيتات لقراءة الطالع — منتجًا شائعًا مؤخرًا في متجر والدها للغرائب. وكانت بطاقة أمير القلوب ترمز إلى الحب غير المتبادل، ودائمًا ما تُصوّره على أنه وسيم بصورة مأساوية، بعينين زرقاوين لامعتين تذرفان دموعًا بلون الدم، تطابق البقعة الدامية التي تلطخ زاوية فمه المتجهم.

لم تكن هناك دموع دموية على هذه التمثال المتوهج. لكن وجهه اتسم بجمالٍ لا يرحم، من النوع الذي كانت إيفانجلين تتوقعه من نصف إله يملك القدرة على القتل بقبلة واحدة. شفتا الأمير الرخاميتان التوتا في ابتسامة جانبية مثالية، كان يُفترض أن تبدو باردة وقاسية وحادة، لكنها احتوت على لمحة من النعومة في الشفة السفلى الأكثر امتلاءً—كانت تبرز قليلاً، كدعوة قاتلة.

ووفقًا للأساطير، لم يكن أمير القلوب قادرًا على الحب، لأن قلبه توقف عن النبض منذ زمن بعيد. وكانت هناك فتاة واحدة فقط قادرة على إعادته للحياة: حبه الحقيقي الوحيد. قالوا إن قبلته قاتلة للجميع ما عداها—وهي نقطة ضعفه الوحيدة—وحين كان يبحث عنها، خلّف وراءه دربًا من الجثث.

لم تستطع إيفانجلين أن تتخيل وجودًا أكثر مأساوية من هذا. وإن كان هناك قدر/كائن خالد واحد يمكن أن يتعاطف مع وضعها، فسيكون أمير القلوب.

توقفت نظراتها عند أصابعه الرخامية الأنيقة، التي كانت تقبض على خنجر بحجم ساعدها. كان النصل موجهًا نحو وعاء حجري للتقديم، موضوع فوق موقد صغير، تعلوه دائرة منخفضة من لهب أبيض راقص. نُقشت على جانب الوعاء عبارة: “دم مقابل صلاة.”

تنفّست إيفانجلين بعمق.

هذا هو السبب الذي جاءت من أجله.

ضغطت بإصبعها على طرف النصل. اخترق الرخام الحاد جلدها، وسقطت قطرات من دمها، تصدر أزيزًا وهمسًا، تنبعث منها رائحة معدنية حلوة.

جزءٌ منها تمنى أن يؤدي هذا القربان إلى عرض سحريٍ ما. أن يتحرك التمثال، أو أن يملأ صوت أمير القلوب أرجاء الكنيسة. لكن لم يتحرك شيء، سوى لهيب الشموع. لم تكن تسمع حتى الشاب الحزين في مؤخرة الكنيسة. فقط هي والتمثال.

قالت بتردد
“أيها الأمير العزيز…”
لم يسبق لها أن صلّت لقدر خالد من قبل، ولم ترد أن تخطئ في ذلك.
“أنا هنا لأن والديّ ماتا.”

تشنّج وجهها. لم يكن هذا هو المدخل المناسب.

“ما أقصده هو أن والديّ توفيا. فقدتُ والدتي قبل عامين، ثم فقدت والدي في الموسم الماضي. والآن، أنا على وشك أن أفقد الفتى الذي أحبه.

لوك نافارو…”
انسدّ حلقها حين نطقت اسمه وتخيلت ابتسامته المائلة. ربما لو كان أقل وسامة، أو أفقر، أو أكثر قسوة، لما حدث كل هذا.
“كنا نرى بعضنا سرًّا. كان من المفترض أن أكون في حداد على والدي. ثم، قبل أسبوعين تقريبًا، في اليوم الذي كنا سنخبر فيه عائلتينا أننا نحب بعضنا، أعلنت أختي غير الشقيقة، ماريسول، أنها هي ولوك سيتزوجان.”

توقفت إيفانجلين وأغمضت عينيها. هذا الجزء لا يزال يُدوّخها. لم تكن الخطوبة السريعة أمرًا غريبًا. ماريسول كانت جميلة، ورغم تحفظها، إلا أنها كانت طيبة—أكثر طيبة من والدتها، أغنيس. لكن إيفانجلين لم ترَ لوك قطّ في نفس الغرفة مع ماريسول.

“أعلم كيف يبدو الأمر، لكن لوك يحبني. أعتقد أنه تعرّض للعنة. لم يتحدث إليّ منذ إعلان الخطوبة—لا يريد حتى رؤيتي. لا أعرف كيف فعلت ذلك، لكني متأكدة أن والدتي زوجة أبي هي السبب.”

لم يكن لدى إيفانجلين دليل فعليّ على أن أغنيس ساحرة، أو أنها ألقت لعنة على لوك، لكنها كانت واثقة من أنها علمت بعلاقتها به، وأرادت لوك، واللقب الذي سيرثه يومًا ما، لابنتها.

“منذ وفاة والدي، وأغنيس تكرهني. حاولت التحدث إلى ماريسول عن لوك. وعلى عكس والدتها، لا أعتقد أن ماريسول كانت ستؤذيني عمدًا. لكن كلما حاولت التحدث، تعجز كلماتي عن الخروج، وكأنها أيضًا تحت لعنة. لذلك أنا هنا، أتوسل إليك أن تساعدني. الزفاف اليوم، وأحتاج منك أن توقفه.”

فتحت إيفانجلين عينيها.

التمثال الجامد لم يتغير. كانت تعلم أن التماثيل لا تتحرك عادة. ومع ذلك، لم تستطع منع نفسها من التفكير أنه كان عليه أن يفعل شيئًا—أن يتزحزح، أو يتكلم، أو يحرك عينيه الرخاميتين.
“أرجوك، أعلم أنك تفهم وجع القلب. امنع لوك من الزواج بماريسول. أنقذ قلبي من أن يتحطم مجددًا.”

“يا لها من خطبة بائسة.”
تبع ذلك صوت تصفيق بطيء، صادر من جهة قريبة جدًا.

استدارت إيفانجلين بسرعة، وقد فرّ الدم من وجهها. لم تكن تتوقع أن تراه—ذلك الشاب الذي كان يمزق ملابسه في مؤخرة الكنيسة. رغم أن من الصعب تصديق أنه نفس الشخص. ظنّت أنه كان غارقًا في الحزن، لكنه ربما انتزع ألمه مع أكمام سترته، التي أصبحت الآن ممزقة ومتدلية فوق قميص مخطط بالأبيض والأسود، مدسوس بنصفه في سرواله.

كان جالسًا على درجات المنصة، متكئًا بتكاسل على أحد الأعمدة، وساقاه الطويلتان ممدودتان أمامه. شعره ذهبي ومبعثر، عيناه الزرقاوان المشرقتان محمرّتان، وفمه يرتجف عند الزاوية وكأنه لا يستمتع بشيء، لكنّه وجد متعة خبيثة في الألم الصغير الذي سببه لها للتو. بدا ثريًا، وساخرًا، وقاسيًا.

“هل تودّين أن أنهض وأدور لتتأملي بقية هيئتي؟” سخر منها.

احمرّ وجه إيفانجلين على الفور.
“نحن في الكنيسة.”

“وما علاقة ذلك بأي شيء؟”
بحركة أنيقة، أخرج من الجيب الداخلي لسترته الممزقة تفاحة بيضاء ناصعة، وقضم منها قضمة.
قطرات عصير حمراء داكنة تقطرت من الثمرة إلى أصابعه الشاحبة الطويلة، ثم إلى درجات الرخام النقية.

“لا تفعل ذلك!”
لم تكن تنوي أن تصرخ، ورغم أنها لم تكن خجولة من الغرباء، إلا أنها كانت تتجنب الجدال معهم. لكنّها لم تستطع السيطرة على نفسها مع هذا الشاب الفظ.
“أنت تُهين المكان.”

“وأنت تصلّين لكائن خالد يقتل كل فتاة يقبّلها. حقًا تعتقدين أنه يستحق الاحترام؟”
ثم قضم قضمة أخرى من تفاحته.

حاولت تجاهله. حاولت حقًا. لكن بدا كما لو أن سحرًا شريرًا تملّكها. بدلاً من أن تبتعد، تخيلت أن هذا الغريب يستبدل التفاحة بشفتيها، ويقبّلها بفمه المحلّى بالفاكهة حتى تموت بين ذراعيه.

لا. لا يمكن أن يكون…

“أنت تحدقين مجددًا.”
قالها بصوت ناعم.

أدارت إيفانجلين وجهها بسرعة، نحو التمثال. قبل دقائق، كانت شفتا التمثال وحدهما كفيلة بجعل قلبها يخفق، أما الآن فقد بدا مجرد تمثال جامد، بلا حياة مقارنةً بهذا الشاب القاسي.

“شخصيًا، أعتقد أنني أكثر وسامة.”
فجأة، صار يقف بجانبها.

اهتز قلبها بفراشات مذعورة. مشاعر مضطربة ونبضات متسارعة، تحذرها من الهرب، من الفرار. لكنها لم تستطع التوقف عن النظر إليه.

عن قرب، كان جذابًا بشكل لا يمكن إنكاره، وأطول مما ظنّت. ابتسم لها ابتسامة حقيقية، كاشفًا عن غمازتين جعلتاه يبدو للحظة أقرب إلى ملاك منه إلى شيطان. لكنها تخيلت حتى الملائكة عليهم الحذر منه. تخيلته يستخدم تلك الغمازات المخادعة ليُغري ملاكًا بالتخلي عن جناحيه، فقط ليعبث بالريش.

“إنه أنت…” همست.
“أنت أمير القلوب.”

أضف تعليق